قالو ان مصر احتلت من العرب
قالوا ان مصر أحتلت من العرب وأرغموا شعبها بالإسلام
كانت مصر في طليعة البُلدان الشرقيَّة التي تسرَّبت إليها المسيحيَّة في القرن الأوَّل الميلادي، من فلسطين وانتشرت تدريجيًّا في جميع أنحاء البلاد في القرن الثاني، وقد كانت الإسكندرية مركزًا هامًا خلال العصور الأولى للمسيحية. وتاريخُ المسيحيَّةِ في مصر يبدأ بِهجرة العائلة المُقدَّسة إليها هربًا من ظُلم هيرودس الأوَّل ملك اليهوديَّة حسب روايةالإنجيل، وبعدها بِسنوات أقبل بعض الرسل إلى مصر داعين الناس إلى ترك عبادة الأوثان وعبادة الله، وأقبل الرسول مرقس، فأنشأ الكنيسة المرقسيَّة في الإسكندريَّة، التي انتقلت إليها زعامة المسيحيَّة لاحقًا، وفيها كتب إنجيله.
كما واستمرَّت مصر في ظل العُهود الإسلاميَّة المُتتالية إحدى أبرز وأهم معاقل المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة في العالم لِاحتضانها الكُرسي البابوي القبطي الأرثوذكسي.
فإن كلتا الديانتين جاءت مصر من الخارج ، وليست مسيحية عيسى صناعة محلية يجب ـ لتشجيعها ـ أن توضع العوائق الجمة أمام ما قد يزاحمها من واردات أخرى ! كلا ..
ولو كان من حق أهل بلد ما أن يطردوا الأفكار الغريبة عن بيئتهم لأنها ليست أفكار مواطنين أصلاء، لوجب إخراج المسيحية والإسلام معا من مصر، ولوجبت إعادة البلد على عجل إلى حظيرة الوثنية المحضة التي تعبد فيها الأصنام وتقدس العجول ، فإن الوثنية هي الديانة التي عرفها تاريخنا آلاف السنين، إنها بضاعتنا العريقة.
أما الإسلام فقد جاء به عرب غرباء ، وأما المسيحية فقد جاء بها ـكذلك ـ رومان غرباء.
والكاتب الصليبي الذي سود صحائفه بأحقاده على العرب الفاتحين لا يمكنه تجاهل هذه الحقيقة ، بل إنه يعترف بها على رغمه.
إن عودة العرب لمصر هي عودة لنقاء العنصر لمن يبحث عن نقاء العنصر حيث أن العرب نصفهم مصري إذا أن العرب هم من أبناء إسماعيل عليه السلام الذي هو بدوره ابن إبراهيم عليه السلام وهاجر رضي الله عنها المصرية الخالصة. ولو كانت العقائد يدان بها من أجل الجنس لكان الإسلام هو أولى ما يدين به المصريون والله عز وجل يقول: ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم“.
عمرو بن العاص والروم والمسحيين أثناء فتح مصر
كانت مدينة الإسكندرية عند دخول العرب عليها قصبة الديار المصرية، والحاجز الثاني للإمبراطورية الرومانية الشرقية بعد القسطنطينية، وأول مدينة تجارية في العالم. وقد أيقن الروم البيزنطيون أن سقوط هذه المدينة في أيدي العرب يؤدي حتماً إلى زوال سلطانهم من مصر.
تمكن عمرو بن العاص من فتح مصر فسقطت الإسكندرية على يديه بعدما عهد لعبادة بن الصامت قيادة الجيش وولاّه قتال الروم. والسؤال هو: كيف كانت معاملة العرب للمصريين؟ لقد برز مشهد تاريخي خلال تلك الحقبة يرمز إلى موقف حضاري عبَّر عنه قائد الفتح آنذاك عمرو بن العاص عندما خيّر أهل الكنانة بين الإسلام والبقاء على دينهم، فمن أسلم منهم صار له ما للمسلمين من الحقوق وعليه ما عليهم من الواجبات، ومن بقي على دينه فرضت عليه جزية صغيرة، مقدارها ديناران على من بلغ الحلم منهم.
إضافة إلى ذلك رفع بن العاص الاضطهاد عنهم وأمر بعدم تحميلهم ما لا يطيقون، والأهم من ذلك تلك السياسة الحكيمة التي اعتمدها عندما آثر إطلاق الحرية الدينية للمسيحيين، فبعد استيلائه على حصن نابليون، كتب بيده عهداً للمسيحيين بحماية كنيستهم، الأمر الذي أعطاه شهادة حية على سلوكه الحضاري الذي أكدته قراراته الحكيمة تجاه كل المستجدات التي واكبت أحداث الفتوح، والتي كثيراً ما كانت تحدث بين أبناء الدين الواحد الذي كان سائداً في البلاد التي فتحوها.
وجاءت أحداث فتوحات المسلمين لتعطي الدليل على السلوك الحضاري الذي التزم به فاتح مصر عمرو بن العاص عندما وجد نفسه عشية دخوله مدينة الإسكندرية أمام مشكلة تهدد أبناء الدين المسيحي في مصر، ففي فتح مصر برز مشهد تاريخي، فعندما دخل سيدنا عمرو بن العاص الإسكندرية ووجد فيها المسيحيين والروم على خلاف بعد اضطهاد الروم للمسيحيين ونفي بطريقهم بنيامين وأُبعد من كرسيه مدة تزيد على عشر سنوات، لم يحاول الفاتح الإسلامي الإفادة من هذا الخلاف لتعميق الشرخ بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية، ولم يعمل على تطبيق المثل القائل «فرّق تسد»، بل حاول الوقوف على أسباب النزاع والعمل على حله وإعطاء المظلوم حقه ودفع الظالم للكف عن التمادي في ظلمه.
ولاحظ المستشرق بتلر، أن عودة بنيامين إلى عرش الكنيسة كفاها شر الوقوع في أزمة خطيرة، وللتدليل على ذلك نشير إلى الخطبة البليغة التي ألقاها باسيلي أسقف نقيوس في دير مقاريوس والتي تعتبر خير دليل على أن المسيحيين أصبحوا بعد الفتح الإسلامي في غبطة وسرور لتخلصهم من عسف الروم، يدل على ذلك رد بنيامين على باسيل بقوله: «لقد وجدت في مدينة الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدهما بعد الاضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها الظلمة المارقون». فمن هذه الكلمات التي فاه بها البطريق يتجلى مدى الطمأنينة التي شعر بها المصريون في عهد عمرو بن العاص رضي الله عنه.
ومما يدل أيضاً على حسن سياسة العرب المسلمين في مصر، انهم لم يفرقوا بين الملكانية واليعاقبة. فالمصريون كانوا متساوين أمام القانون وأظلهم الإسلام والمسلمون بعدلهم، وحموهم بحسن تدبيرهم.
ويقول السير توماس أرنولد صاحب كتاب «الدعوة إلى الإسلام»: إن «النجاح السريع الذي أحرزه العرب (حسب وصفه) يعود قبل كل شيء إلى ما لقوه من ترحيب الأهالي المسيحيين الذين كرهوا الحكم البيزنطي لما عرف به من الإدارة الظالمة، وما أضمروه من حقد مرير على علماء اللاهوت. فاليعاقبة الذين كانوا يشكلون السواد الأعظم من السكان المسيحيين، عوملوا معاملة مجحفة من أتباع المذهب الأرثوذكسي التابعين للبلاط».
وهذا الموقف الحضاري الذي اتخذه عمرو بن العاص في مسألة الخلاف بين الكنيستين آنذاك والذي رسم رؤية إنسانية مبنية على قاعدة احترام حقوق مسيحيين مصر من موضوع كرسيهم الكنسي، مهد لتواصل مستقبلي خلال الحقب التاريخية المتلاحقة كما مهد لإيجاد أرضية صالحة لتعايش إنساني يوفر الظروف لحياة بعيدة عن التعصب المقيت ونبذ الآخر كما أنه بين عظمة الإسلام ومدى عدله وإنصافه في معاملة الآخر وإن كان مخالفا في العقيدة والدين.
“يعقوب نخلة روفيلة” (1847 ـ 1905م) كاتب مسيحي، كتب كتابًا عنوانه “تاريخ الأمة القبطية“.. ولقد أحسنت مؤسسة مارمرقس لدراسة التاريخ عندما أعادت طبع هذا الكتاب سنة 2000م ـ بمقدمة للدكتور جودت جبرة..
وفي هذا الكتاب يشهد هذا الكاتب المسيحي للفتح الإسلامي الذي حرر مصر من الاستعمار الروماني الذي دام عشرة قرون.. وحرر ضمائر أهل مصر من الاضطهاد الديني الذي لا يزال تضرب بقسوته الأمثال.. يشهد يعقوب نخلة روفيلة على هذه الحقيقة التاريخية.. ويقدم الوقائع التي يجب أن تأخذ طريقها إلى عقولنا وقلوبنا جميعًا ـ فيقول:
” ))ولما ثبت قدم العرب في مصر, شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهلين واستمالة قلوبهم إليه, واكتساب ثقتهم به, وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه, وإجابة طلباتهم.
وأول شيء فعله من هذا القبيل: استدعاء “بنيامين“(396 هـ ـ 659م) البطرك الذي اختفي من أيام هرقل ملك الروم, فكتب أمانا وأرسله إلي جميع الجهات يدعو فيه البطريرك للحضور, ولا خوف عليه ولا تثريب, ولما حضر وذهب لمقابلته ليشكره علي هذا الصنيع, أكرمه وأظهر له الولاء, وأقسم له بالأمان علي نفسه وعلي رعيته, وعزل البطريرك الذي كان أقامه هرقل, ورد «بنيامين» إلي مركزه الأصلي معززًا مكرمًا..
وكان «بنيامين» موصوفًا بالعقل والمعرفة والحكمة, حتى سمّاه بعضهم «بالحكيم».. وقيل: إن عمرًا لما تحقق ذلك منه, قربه إليه, وصار يدعوه في بعض الأوقات ويستشيره في الأحوال المهمة المتعلقة بالبلاد وخيرها, وقد حسب المسيحيين هذا الالتفات منة عظيمة وفضلاً جليلاً لعمرو..
واستعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء المسيحيين وعقلائهم علي تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة الأهالي, فقسم البلاد إلي أقسام يرأس كلا منها حاكم مسيحي ينظر في قضايا الناس ويحكم بينهم, ورتب مجالس ابتدائية واستئنافية مؤلفة من أعضاء ذوي نزاهة واستقامة, وعين نوابًا من المسيحيين ومنحهم حق التداخل في القضايا المختصة بالمسيحيين والحكم فيها بمقتضي شرائعهم الدينية والأهلية, وكانوا بذلك في نوع من الحرية والاستقلال المدني, وهي ميزة كانوا قد جردوا منها في أيام الدولة الرومانية…
وضرب عمرو بن العاص الخراج علي البلاد بطريقة عادلة.. وجعله علي أقساط, في آجال معينة, حتى لا يتضايق أهل البلاد…
وبالجملة, فإن المسيحيين نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يروها من أزمان“… ((
· يقول المؤرخ المسيحي اسكندر صيفي في كتابه المنارة التاريخية في مصر الوثنية والمسيحية ص206: {وكانت شروط عمرو مع المقوقس زعيم المسيحيين على أن تكون للمسيحيين الحرية المطلقة بدينهم ، وعليهم جزية ذهبين عن كل رجل}.
· ويقول المؤرخ القمص أنطونيوس الأنطوني في كتابه وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها ص66: {وبالجملة فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحةً لم يروها منذ زمان )
[ معلومة : ] من اين جائت كلمة قبط ؟
= هذه الكلمة يقصد بها سكان مصر وليس لها علاقة بتحديد الدين. فالقبطية هي قومية وعرقية وهي كلمة مرادفة لكلمة مصريون، فكل قبطي مصري والعكس صحيح.
الكلمة العربية قبط ترجع لقبط بن مصرايم بن حام بن سيدنا نوح ،فقبط هو أول من سكن مصر وينطق بالعربية قبط، أما بالعبريه فتنطق قفطايم، وكان العرب يسمون مصر في القديم بلاد القبط، فأصبحت كلمة قبط أشارة الي المصريين منذ عهد الفراعنة الي اليوم، فتأتي كلمة قبطي لتعبر عن المصريين القدماء.
إلا أنه بسبب كون السلطة كانت بأيدي أصحاب الديانة المسيحية وقت دخول العرب المسلمين مصر، فقد اكتسب الاسم كذلك بعدا دينيا تمييزا للمسيحيين تميزا لهم عن غيرهم، حتي انحصرت كلمه قبطي علي مر العصور لتشير للمسيحيين في الأحاديث وكذلك في الخطاب الرسمي للدولة.
0 تعليقات